المكان / معبر رفح
الزمان / العطلة الصيفية
كانت البداية منذ هطول أمطار الصيف الظالمة على رأس الشعب الفلسطيني الصامد التي لم تترك أخضرا ً ولا يابسا ً إلا أغرقته بما فيها من بنى نحتية من ماء وكهرباء وكان من ضمن ما طالته هذه الأمطار معبر رفح المنفذ الوحيد لسكان قطاع غزة إلى العالم الذي تم إغلاقه لمدة تجاوزت الخمسين يوما ً وما زال العّد مستمرا ً حيث مازال المعبر مغلقا ً حينها كانت بداية مأساة المئات بل الآلاف حيث في إحصائية قامت بها وكالة رامتان للأنباء بلغ عدد العالقين على المعبر نحو 11000 مسافر وكنت أنا أحدهم
كانت البداية بعد إغلاق المعبر بشهر تقريبا ً أعلنت المتحدثة باسم الطاقم الأوروبي العامل في معير رفح بأن المعبر سيفتح في اليوم التالي .. توجهنا إلى المعبر في اليوم التالي وكانت الساعة العاشرة صباحا ً وكانت صالة الانتظار في المعبر مليئة بالمسافرين وكذلك خارج الصالة لم نتمكن من دخول الصالة لكن تمكنا بعد عناء شديد من تسليم جوازات السفر لكن بعد ساعات من الانتظار جاء الخبر الجلل " إعادة إغلاق معبر رفح بسبب إنذارات أمنية وجهت للطاقم الأوروبي من قبل الجانب الإسرائيلي " بعد ذلك بدأت الأجهزة الأمنية العاملة في المعبر قي إعادة توزيع جوازات السفر على المسافرين لكنها كانت مشكلة حيث أني سمعت أحد أفراد حرس الرئاسة يقول
" إن لدينا أكثر من 17000 جواز سفر " فكان السؤال كيف سيتم إعادتها إلى أصحابها ؟؟؟؟!!!!
شرع أفراد حرس الرئاسة بالمناداة على أسماء أصحاب الجوازات وبعد طول انتظار عندما قاربت الساعة الخامسة مساء ً وجدنا أربعة جوازات وبقي الخامس وجدته مع أحد سائقي السيارات كان يبحث عن صاحبه حمدت الله أني وجدته حيث أخبرني صديق لي وجدته في المعبر بأن هناك نحو 300 شخص لم يعثروا على جوازاتهم .. بعد ذلك عدنا إلى منزلنا بعد يوم من العناء المتواصل......... بهذا انتهى اليوم الأول للمأساة.
بعد ما يقرب من إسبوع أكـّد الدكتور/ صائب عريقات بأن معبر رفح سيفتح أمام المسافرين لمدة 3 أيام في كلا الاتجاهين لكنه علـّق الأمر بعدم خيانة اليهود لهذا الاتفاق .. في اليوم التالي من إعلان الخبر توجهنا نحن والآلاف من المسافرين إلى المعبر لكن كما هو معهود عن اليهود خانوا الاتفاق واستمر إغلاق المعبر .........وبهذا كانت نهاية يوم آخر من المأساة.
وفي اليوم التالي تم افتتاح لمعبر لكن لعدة ساعات ثم جاءت التهديدات الإسرائيلية بقصف المعبر ومن بداخله إذا لم يتم إغلاقه فورا ً فتم إغلاقه على الفورً ولم نتمكن من السفر............. وبهذا كانت نهاية يوم آخر من المأساة.
وبعد ما يقرب من أسبوع أعلنت وكالة رامتان بأن المعبر سيفتح يوم السبت {يوم الغد} ليوم واحد فقط ..
توجهنا إلى المعبر حالنا حال آلاف المغادرين وذلك عند الرابعة من فجر يوم السبت تمكنا من ركوب أحد الباصات المجهزة لنقل المسافرين إلى داخل المعبر لكن هذا الباص مجهز ليقل 50 راكبا ً في الوضع الطبيعي
لكن في ذلك اليوم كان عدد ركاب الباص لا يقل عن 80 شخصا ً .. وعند الثامنة والنصف تم فتح المعبر ودخل 3 باصات إلى المعبر من أصل 25 باصا ً .. ثم جاء الأمر من جيش الاحتلال بمغادرة الأوروبيين المعبر وإيقاف العمل فيه بحجة إنذارات أمنية وتم إعادة إغلاق المعبر مجددا ً وكانت الساعة تقترب من الواحدة ظهرا ً وبذلك نكون قضينا 9 ساعات في الباص لكن بلا فائدة ........ وبهذا كانت نهاية يوم آخر من المأساة.
إذا ً تم إغلاق المعبر حتى إشعار آخر , وبعد أيام من الانتظار والمتابعة لأخبار المعبر جاءت البشائر بأن المعبر سيفتح لمدة يومين وكان هناك تأكيدات من قبل الاحتلال بفتح المعبر , تم إذاعة هذا الخبر في الساعة العاشرة والنصف مساء ً خرجنا من البيت بعد ساعتين تقريبا ً أي عند الساعة 12.30 وعند وصولنا بوابة المعبر بدأت المعاناة كان نحو 300 شخص محتشدين على باب الباص كانت الأولوية للنساء في دخول الباص , رغم ذلك كان التزاحم شديدا ً فاضطر أحد أفراد الشرطة بإطلاق أعيرة نارية في الهواء لكن بلا فائدة فلقد نفد صبر المسافرين ثلاث أسابيع من الذل والهوان بسبب قوات الاحتلال عموما ً بعد أن عانينا أشد المعاناة تمكنا من دخول الباص وكان به نحو 100 شخص ثم أغلق باب الباص إيذانا ً باكتفاء الباص بركابه المئة , لا هواء ولا مكان لا يفصل بينك وبين زميلك سوى عدة مليمترات كدت أختنق وأنا في عمر الشباب فما بال الأطفال الرضع والشيوخ الركع , حقا ً كان الوضع مأساويا ً . بدأت تتوارد الأنباء عن عدد الباصات التي سبقتنا تضاربت الأنباء ما بين 15 إلى 20 باصا ً ثم تأكد الخبر حين أعطي باصنا الرقم 17 نعم 17 تم تعبئة 17 باصا ً خلال ساعتين فقط لا غير . بعد ذلك بدأت تمر الساعات وكأنها سنوات ونحن ننتظر بدء العمل في المعبر , بعد مرور 8 سنوات اقصد 8 ساعات تم فتح المعبر وبدأت الباصات تدخل إليه وبالفعل عمل كل العاملين في المعبر بجد ّ بما في ذلك الطاقم الأوروبي تم دخول 15 باصا ً ثم جاء دور الباص رقم 16 وباصنا رقم 17 تحركنا عند الثانية ظهرا ً نحو بوابة صالة المعبر لكن لم ننزل وذلك لأنه نم إيقاف العمل جزئيا ً في المعبر جزئيا ً لكن هذه المرة ليس بسبب الطاقم الأوروبي ولا من جانب الاحتلال بل بسبب الجانب المصري حيث كانت الإجراءات بطيئة والصالة المصرية لم تعد تتسع للمزيد من المسافرين , بقينا على حالنا أكثر من أربع ساعات ونحن ننتظر إعادة فتح المعبر لكن بلا جدوى فعند الساعة الثامنة مساءً تم إغلاق المعبر بشكل رسمي لكن الطاقم الأوروبي وعدونا بالعمل يوم الغد وعدنا بعد ذلك إلى حيث كنا صباح ذلك اليوم بعد أن كان يفصل بيننا وبين المعبر عدة مترات , كان كل متر في طريق العودة أشبه بالسكين تقطـّع شرايين الأمل الذي عاد إلى الحياة في قلوبنا بعد وصولنا إلى تلك البوابة ....... وبهذا انتهى يوم آخر من المأساة لكن هذا اليوم كان اليوم قبل الأخير من مأساتي.
إذا ً وصلنا إلى نفس المكان الذي ركبنا الباص عنده رجعنا إليه لكن بعد نحو 24 ساعة من ركوبنا الباص دون نزول . أخذنا دورا ً جديدا ً فكان باصنا هو الباص الثاني أو الثالث , قمنا كإجراء أمني بتسجيل أسماء الركاب وطلبنا من أحد أفراد حرس الرئاسة حماية الباص من الاستغلاليين واقصد بالاستغلاليين أولئك الذين لعنهم رسول الله أولئك الراشين والمرتشين وكذلك المتعاملين بالواسطة , كان هذا الشرطي رجلا ً أمينا ً ومنع من استطاع منعه منهم لكنه بعد ساعات اضطر إلى ترك الباص وأوصى لأحدنا بمتابعة الباص وتمكنا من الحصول على سلاح klashenkove تمكنا من حماية الباص لكن لفترة محدودة فقد كانت رتب الواسطات عالية لدرجة أن أحدهم هدّد بعدم السماح لهذا الباص بالمرور في حال رفضنا إدخال زبائنه لكنا رفضنا ولم يستطع فعل شيء وأخذ يبحث عن باص آخر , وفي موقف آخر مرّ به أحد الزملاء وهو شاب لم يتجاوز الثلاثين من عمره حين حاول أحد رجال "الواسطة" الدخول لكنه رفض ادخاله فانهال عليه فردين من الشرطة بالضرب بفوهة سلاحهم ضربوه أشد الضرب وأقواه في بطنه ومؤخرة رأسه لكن للأسف دفاعا ً عن باطل ....
مرّت الساعات والساعات ونحن على هذه الشاكلة حتى جاءت الساعة الثامنة صباحا ً وتم فتح المعبر وتمكنا من الدخول إلى الصالة ولم تأخذ الإجراءات عند الجانب الفلسطيني أكثر من ثلث ساعة ثم خرجنا من البوابة الأخيرة والبسمة مرسومة على الأفواه والقلوب تملؤها السعادة , سعادة على نهاية المأساة يخالطها الحزن والأسى على فراق أرض الإسراء أرض الجهاد أرض المحشر أرض الرباط إلى يوم الدين ........
بهذا انتهت مأساتي لكن بعد أن ذقنا الأمرين على المعبر لقد عانينا اشد المعاناة و تألمنا أشد الألم
لكن كل هذه الآلام الجسدية لا تساوي شيئا ً أمام الآلام المعنوية تلك الآلام التي أحرقت قلوبنا بل مزقتها جعلتها أشلاء ذلك عندما ترى آلاف المواطنين على معبرنا الفلسطيني – المصري يتحكم في مصيرهم أحد الخنازير الصهاينة بكلمة واحدة " أغلقوا المعبر " آه آه آه لكن عزائنا الوحيد والذي أعطانا القدرة على التحمل هو أننا في جهاد صبرنا كان جهادا ً تحملنا للذل كان جهادا ً معاناتنا كانت جهادا ً ...........
هذا كله بسبب شيء واحد فقط وهو أني فلسطيني قابع تحت الاحتلال ...
بهذا تكون انتهت مأساتي مسافر على معبر رفح ...................